في يوم من أيام الشتاء البارده ... وتحت تلك الغيوم السوداء الكاحله... وزخات المطر المتواصله... التي كانت تعزف أجمل الألحان على زجاج نافذتي الصغيره ... وصوت الرياح البارده يمتزج مع تلك الألحان الشجيه ليكونان منظومه ومعزوفه حزينه تتناغم مع همسات أبو نوره وهو يشدي بأحلى ما لديه .. لتزيد من مدى حزني ووحدتي في اغترابي ...
كنت جالسا ً على كرسي مذاكرتي متاملا ً بعض أوراق دراستي .. كنت تارة ً بين أوراقي ... وتارة ً أخرى أبحث عن لحن آخر ليتماشى مع سنوفنيه الحزن والألم التي يعزفها المطر ويشدي فيها صوت الرياح .
وفي لحظه ومن دون سابق انذار .. اسمع طرقات على نافذتي الصغيره.. طرقات لطيفه .. طرقات توقضني من أحلامي وأحزاني... في البدايه لم اكترث لأرى من هناك ... ظننت أن الرياح عصفتها... ولكن عاودت الطرقات مره اخرى...فههمت بالنهوض لأرى شبح إنسان بالنافذة... توقعت أنه زميلي قد أكثر من الشرب وسكر ولا يجد مفتاحه
فاخذت معطفي وذهبت الى الباب... فتحت ذلك الباب واذا بذلك الغريب ذو المعطف المبلل بالمطر....اذا بذلك الشخص يدنو من الباب ... لأرى فتاة غاية في الحسن والجمال... ذي عود متدلي وجسم أنيق و نظرات ساحره .. شعرها أشقر متسلسل كخيوط الحرير المفروده ... لدرجة أنك ترى كل شعرة بشعرة ... أخذت شعرها بيمينها لتهز رأسها لتتساقط حبات المطر من شعرها لتمر على خديها ... كانت تتساقط من خدها كتساقط حبات الندى من وردة حمراء مفعمة بالجمال... رأيت حبات المطر تنزل بكُره وحزن كبير كمن اكره على السقوط...وبينما أتامل واسبح في جمال ذلك الزائر الغريب ...إذا بها تقطع أحلامي وتهمس بلحن حزين وشجي... وتقول:
- مساء الخير
كانت تلك الكلمتين أعذب ما سمعت ... وأحلى ما مر على مسمعي من الألحان ....لتوقضني من الحلم مرة اخرى وتقول :
-عذرا ًعلى الإزعاج ولكن هل "اندي " هنا ... ؟
كانت تسأل عن رفيقي بالغرفه المجاوره.... فقلت:
- لعله هنا
و اشرت على غرفته .. ذهبت وطرقت بابه ولكن لا جواب ... فهمّت بالخروج و أنا لم تفارقها عيناي ... ولما وصلت الباب وهمّت بالخروج وقفت ... وأنا لا ازال متأمل لذلك الملاك ... و أقول في نفسي أني أحلم وهذا حلم فلا يعقل أن يوجد من هو بهذا الجمال
وصلت ُإلى الباب ثم رجعت ونظرت إلي نظرة رجاء وقالت :
-هل لي بكوب من الشاي يدفيني ؟، فأنا ارتجف من البرد والجو ممطر وبارد
بكل فرح وسرور تكاد عيني ترقص من الفرح ،اصطحبتها إلى المطبخ، واشرت لها أن تجلس بينما بدأت أنا بإعداد كوب الشاي، و بدأنا نتبادل أطراف الحديث وتسألني من أنا ومن أكون ؟؟.. ثم سألتها ما جاء بها في هذا الجو الممطر البارد ؟... فسكتت لبرهه .. ثم بدأت تحكي لي عن حب قديم وعن معاناتها وكم هي تعاني من قسوة السنين ... فلم اعد احتمل كلامها الحزين فقاطعتها قائلا:
-هل تأخذينه بالسكر؟
فردت بحزن:
- ما عدت اشتهي طعم السكر
ذهبت لها و بيدي كوب الشاي ومعطفي وناولتها إياها وطلبت منها أن تخلع معطفها المبلل وغطيتها بمعطفي وقلت لها :
-أنت ترتجفين
ثم ذهبت لأُعد لنفسي كوب من القهوه فأنا من عشاق الحبة السوداء.. وأخذت أكلمها محاولا التخفيف عنها .. واخبرها أنه قدرنا وأن ما قدر لنا ما كان ليصيب غيرنا ... رأيتها تتأمل في كوبها وهي ترشف رشفات دافئة منه .. ثم قامت واقتربت مني.. وقالت:
- بالله عليك أن تحضنني، أريد أن اشعر بالأمان، بالدفىء .. أريد أن اشعر أني لازلت إنسانه و أن لي كيان..
وقفت متسمراً وبكل رهبة وحيرة فتحت لها ذراعي .. ولم يعد بوسعي الكلام أو التفكير ...وما هي إلا لحظات لأشعر بشعرها الذهبي ينسدل على كتفي ...ضممتها إلى حضني أكثر .. وبينما كنت احاول أن اقول " سوف تكونين على ما يرام" وضعت إصبعها على فمي وهمست في أذني .. معلنة لحظة السكوت.. مكثنا هكذا لوقت لا أعلم إن كان بالقصير أو الطويل ولكن كنت في نعيم الأرض وفي حضن ملاك... ليرن إبريق القهوه .. ويقطع لحظة الصمت ...فسحبت نفسها من بين أحضاني ببطىء شديد .. ثم همت بالخروج وقالت :
- - شكرا جزيلا
فسألتها:
- هل تعرفين الطريق؟
فردت بإبهام غريب
- نعم
ثم سكتت لحظه وقالت :
- اممم لا... لا أظنني اعرف طريقي
فسألتها إذا كانت تريدني أن اصطحبها لآخر الطريق فالساعه كانت بعد الثالثه صباحا .. قالت:
- لا أريد أن اتعبك يكفي ما فعلته
أخذتها من يدها وأخذت معطفي ...وفي وسط الضباب المتراكم و بين قطرات المطر المتساقط .. أحسست برعشه يدها وهي تشد على يدي بقوة.. سألتها إن كانت تشعر بالبرد ... فقالت:
- ما بعمري أحسست بالدفىء كهذه اللحظة ..
وصلنا إلى طرف الطريق وخلعت معطفي ونزعت عنها معطفها المبلل و البستها معطفي وقلت :
- خذي معطفي فهو أدفأ لك ...
وودعتني بقبله صغيره ورحلت...
عدت لغرفتي الصغيره الدافئه .. كنت ارتجف من البرد ولكن تلك القبله انستني كل ما كان حولي من برد ومطر وضباب ... جلست على طرف سريري وأنا أتامل ذلك المعطف وأنا افكر هل كنت في حلم ؟ أم ماذا ؟!.. ما قد حدث لي ؟! ومن هذه الحسناء التي كسرت علي جدار وحدتي؟؟
وجاء الصباح ...واذا بطراقات على باب غرفتي
– نعم من هناك؟
سمعت صوت شجي صوت عذب ملائكي يرد ويقول :
- أنا
توجهت للباب كالمجنون ... وإذا بذلك الملاك على باب غرفتي .. قالت :
-عمت صباحا ً
تلعثمت ولم أدر ما كان جوابي .. طلبت منها الدخول ...دخلت وهي تمد لي معطفي و تقول:
- جئت لأعيد إليك معطفك و ...
توقف قلبي عن النبض واكملت قائلة :
- لقد قررت الرحيل وقد اعلنتها بداية نهاية.. بداية المسير ..نهاية العذاب ...
اخذت معطفي ورميت به على السرير .. وتناولت معطفها وقلت :
-هاك
ارجعته وقالت:
- أريدك أن تبقيه للذكرى ..وأن تذكرني به كلما رايته ...وأن تقول هي إنسانة باردة الشعور أوقدها دفئي ...نعم منذ تلك اللحظه التي ضمتني فيها ذراعك ولعبت أناملك بشعري ..أحسست أني إنسانه جديدة أحسست بالدفىء .. أحسست بكياني .. أحسست بأني إمرأه .. نعم إمرأة جديدة ..وسكتت .
وبينما أنا في ذهولي لترتمي في حضني وتطبع قبلة على شفتاي وتهمس في أذني :
- وداعا أيها الغريب ...
وقفت على الباب .. لا اعرف ما أقول .. ورأيتها تتلاشى من بين عيني وهي تلوح لي بيدها من آخر الطريق .. قائلة :
- وداعا
ومن ذلك اليوم .. وكلما سمعت زخات المطر اتناول ذلك المعطف واشم رائحته الزكيه ..وابتسم بحزن واقول في نفسي .. أين أنت يا صاحبة المعطف؟ .. أين أنت أيتها الإنسانه الجديدة ؟؟.. وأرفع رأسي للسماء لأرى ابتسامة ذلك الملاك واعرف أنها أصبحت في أحسن حال ...
.
No comments:
Post a Comment